تكريم لروح الفنان الفلسطيني الراحل محمد جولاني
ببالغ الحزن و الأسى، وصلنا خبر وفاة الفنان محمد جولاني في يوم الجمعة، 2 أكتوبر، عن عمر يناهز السبع وثلاثين. و نتقدم بأحر التعازي و المواساة لعائلته و أصدقائه. رحل جولاني، الفريد من نوعه، عن فلسطين و العالم بأسره فنانًا متميزًا، و روحًا مليئة بالمرح و التواضع.
تنوعت لوحاته، فنارة كانت تلهم الهدوء و السكينة و أحيانًا أخرى كانت توحي بالإحباط و الغضب، و كان فنه بذلك نتاجًا لتجربته و رحلته لاستكشاف المواضيع و الظواهر التي تهمه، كالهوية، المساحات و الحريات على سبيل المثال. تجذر فنه في محبوبته القدس، التي رسمها بشغف و حب، عاكسًا روحه المقاومة، الناقدة، ذات المبادئ و خفيفة الظل في الآن ذاته.
كان أحد أهم أهدافه إيصال الفن للشارع و للمجتمع بشكل عام، بحيث لا يبقى حكرًا على أروقة المعارض، المبدأ الذي جسده في مشروعه متحف الشارع مع الرؤية الفلسطينية 2016 و مشاريع أخرى قام بها للتواصل مه المجتمع من خلال الفن.
عبر حوار مستمر و احترام و تقدير كبيرين للجيل السابق من الفنانين الفلسطينيين، "مزجت أعمال جولاني عبق الماضي و أحلام المستقبل" (المعمل للفن الحديث)، و فتحت صفحة جديدة في تاريخ الفن الفلسطيني و مدرسة جديدة فيه. فنان، ناشط ثقافي، مربي، و العديد من الأدوار قدمها لنا جولاني، الذي رحل باكرًا جدًا، و هو مليء بالحياة و بالأفكار و الإبداع. سوف نشتاق له كثيرًا و لكن روحه المرحة الضاحكة و إرثه سبيقون معنا.
و لقد كان لنا الشرف الكبير بلقاء جولاني من خلال عمله في أحد مشاريع صندوق الحماية الثقافية من المجلس الثقافي البريطاني، بالشراكة مع رواق. أضاف جولاني الألوان لمدينة كفر عقب القديمة، من خلال جداريته على سطح فناء مرمم. كما فعل في 2018 حين شرع في تجميل الأسطح الضيقة في المدينة القديمة في القدس، من خلال إضافة لمساته الفنية عليه عبر سلسلة رسومات بالتعاون مع حوش الفن الفلسطيني. بإمكانكم مشاهدة فيديو قصير هنا.
أرانا جولاني قدسًا مختلفة بريشته. أحيانًا، حين كان يرسم بدون توقف دفعة واحدة، و أحيانًا حين يطل علينا من الأسطح و الجدران في المدينة القديمة، لتعم المتعة على الجميع، و أحيانًا حين كان يدعونا لتتبع النقاط، و تتبع مباني القدس التاريخية و التعرف عليها من خلال كتاب "خط القدس – البلد" للرؤية الفلسطينية. بالإمكان تحميل الكتاب هنا.
كما تطرق جولاني للتجربة الفلسطينية الجماعية في معرضه الفردي "يوم عادي" في حوش الفن الفلسطيني في 2016. و بعكس العنوان تمامًا، لمن يكن معرض "يوم عادي" عاديًا على الإطلاق، حيث جسد بجدارة الحياة اليومية لسكان القدس في المدينة. استخدم فيه الوسائط المتعددة، اللوحات الزيتية و المفاطع الصوتية ليرسم حالة الانفصام التي يعيشها ذهنيًا منذ الفجر و حتى الغروب، و التي تصاحب اليوم "العادي". و نقل جولاني لجمهوره عدد لا يحصى من المشاعر، ليشعروا بحالة التضاد التي يعيشها يوميًا و التي تمثل واقع الكثير منهم(ن). في الأعمال الستة التي استعرضت "يوم عادي"، رسم جولاني حالة التضاد التي يعيشها الفلسطيني بشكل يومي و طبعها في ذهنه، بينما هي في الواقع بعيدة عن كونها طبيعية.
لم يكن جولاني كثير الحديث عن أعماله، كان يفضل أن تشرح نفسها بنفسها و أن يتفاعل الناس معها بطريقتهم الخاصة، بينما يشعر هو بالتواضع الشديد أمام ذلك. و لكن حين حدث و تطرق لأعماله، كان شغوفًا و مؤثرًا، كما رأينا في نصه عن عمله في 4 سبتمبر 2017.
" هاأنذا أخرج من عملي لأكتب عنه. أبتعد وأنظر إلى شبحي يدير ظهره لورشته اليومية، فأرتبك (أنظر إلى الصورة 1). أرتبك وأمد يدي إلى اللوحة لأعيدني إليها، دون أن أدري ما الذي أريده بالضبط؛ هل هو وصف الشكّ حين كان فكرة أم وصف الشكّ حين اكتمل وصار شكلاً. هل أحاول في هذا العمل إحياء التوازن بين الواقع والخيال أم أحاول قتله وتحطيمه. أم أن ديغاس كان محقاً حين قال: "يرى الشخص ما يرغب برؤيته، وهذا الزيف هو ما يشكل الفن"؟ لم يكن هذا العمل نتيجة لبحث قمت به أو لمخطط وضعته لتنفيذ فكرة ما كجزء من مشروع أو معرض شخصي، ليمكنني تقديمه بلغة المشتغل أو لغة الناقد أو حتى المتذوق. بل بالعكس تماماً، إنه تصريحٌ فظٌ تقوم به اللوحة ذاتها عني وعن مكاني وعن تحركاتي اليومية. وأنا لستُ إلا جزءً من العمل أقف فيه وأمامه كشاهد عيان لا أكثر. إنه الحوار اليومي بيني وبين أشيائي؛ رفوفي ولوحاتي وأقلامي وريشي. لكن هل هو حوار خصومة أم صداقة؟ لا أعرف. كل ما أعرفه أن الصوت فيه ضائعٌ لأن الزمن مضى. مضى منذ أن رفعت يدي عن آخر لون في اللوحة. هذا العمل إذن هو أنا في لحظة ما، صورة لا تُنسى لشيء لا يمكن الاحتفاظ به في الذاكرة"
أو من خلال النص الذي كتبه عن "يوميات الوباء"، لوحات الصور الذاتية الثلاث التي أنتجها في فترة العزل مؤخرًا (أنظر إلى الصورة 2)، بالتعاون مع المعهد الفرنسي في القدس (مايو 2020)، ليعكس حالة التكرار و العزلة. (هنا)
"حالة فريدة، الوقت يمضي رغم توقفه، و رغم سكون المكان، مساحة ضيقة تتسع لتحوي عملًا دؤوبًا دائمًا، شهور قليلة مكثفة، بمثابة تدريب على حياة مع وقف التنفيذ! العزلة، شعور أحادي بالتفرد، قد يشترك فيه أحيانًا مجموعة من الناس، لأسباب سياسة أو غيرها، و ما يهمني هنا بالتحديد هو عملية التحول من هذا المعنى، من خصوصيته، ليعم و يصبح شعورًا جماعيًا، حين جربته الإنسانية، بأفرادها و جماعاتها. تجربة العزلة و تقييد الحركة، دوائر تتسع و تضيق، لتشمل الجميع، مجبرة إياهم للرجوع لأنفسهم. لا شك في أن العالم سيتغير بعد هذه التجربة العميقة، أملي الوحيد هو أن لا يصبح أكثر وحشية."
لروحك السلام، الحبيب محمد جولاني.
روزا بيريز
تكريم الفنان والباحث الفلسطيني بيسان حسام أبو عيشة لمحمد الجولاني
جولاني ... يا ورد ... في الحقيقة أنا لست متأكداً ما هذا الذي أكتب. خاصه بعد أن كنت قد قررت أن أقول لك ما أريد في قلبي فقط. وأيضا لأني أذكرك كما عرفتك، أشعر بالقلق من ضحكاتك على كلماتي المنمقة. كأنك ستقول لي: "يا زلمة إنساك" بطريقتك المعهودة. أخاف من نقديتك التي أحببت دوما، أن تسائلني لماذا لم أقل لك ما أريد أن أكتب، في أخر لقاء جمعنا. في الحقيقة ليس بإمكاني التوقف عن تخيلك تضحك علينا جميعا الآن. ليس بإمكاني التوقف عن تخيل إبتسامتك المشاغبة ... رفقا بنا يا أبو الجوج ... فنحن نكتب ما نكتب ونقول ما نقول لأن قلوبنا قد تكسرت. لأننا نشعر بالحيرة. لأننا نشتاق لك ... ولكن ؟ ... ألم أشتق لك دائما ما بين ترحالاتنا وانشغالاتنا هنا وهناك. ألم نترك أطناناً من الأشياء تنتظر أن نناقشها بعد كل لقاء. لماذا الأمر مختلف هذه المرة يا جولاني؟ حتى في يوم رحيلك، راسلت صديقاً لنا على أمل أن يواسيني في غربتي والذي بدوره شاركني بصوره لرساله نصيه كنتما قد تبادلتما في الماضي. في تلك اللحظة ... لم أتمالك نفسي من الإنفجار بالضحك ... ببساطة لأني تصورتك تنطق كلماتك في الرساله كما اعتدت أن تتحدث. حتى وأنا في أمسّ الحاجه للبكاء، تجعلني أضحك. مرة أخرى، إبتسامتك تَحُل كل شي معقد. تماماً كما أضحكتني بعد كل مرة وصلتني متأخراً. ضحكةً صغيرةً مع الجولاني، تُحيلُ أسوأ المواقف إلى قهقهات. إذن قل لي، ما هذا الذي أكتب ؟ أهو رثاء؟ ... كيف أكتب رثاءً لصديق ما زال يضحكني، حتى وهو يرحل مودعًا؟ لا يا صديقي ... فالمرثيات تُكتب لمن ماتوا. وأنت بعيد عن ذلك. أنت ... مُتأخرٌ فقط. نعم ... مرةً أخرى ... أنت مُتأخر ... وما عليّ إلا أن إنتظاركَ قليلاً بعد. مختاراً أن أأمن بأن شيءً لم يتغير علينا. كما جرت العادة، أنا في شوقٍ لك ... وكما جرت العادة أيضاً، أنتَ ستأتي متأخراً. ولكن في النهاية ... سوف نضحك كثيراً ... وسوف نكمل حواراتنا المؤجلة. وسأقول لك كل ما أردت أن أكتب عنك. إلى أن نضحك من جديد ... سلام يا ورد.
السيرة الذاتية:
محمد الجولاني فنان فلسطيني خريج جامعة القدس بدرجة بكالوريوس في الفنون الجميلة عام 2009. حالياً، هو طالب في ماجستير في الفنون المعاصرة في أكاديمية بتسليل للفنون. قام بتدريس الفنون البصرية في جامعة القدس بين عامي 2011 و 2013. كما قام بتدريس الفنون البصرية في مدرسة الأصدقاء للبنين بين عامي 2016 و 2018. وهو الآن يعمل كفنان مستقل ومدرب فني في مختلف المؤسسات الثقافية. تعكس لوحات الجولاني السكينة، بل والغضب الاحباط. عمله هو نتاج لمرحلة متراكمة من الاستكشاف، حيث يطرح مسائل كالهوية والمساحة الرحبة والحرية، على سبيل المثال لا الحصر. حصل الجولاني على إقامة فنية مدينة الفنون العالمية في باريس عام 2018. وشارك في برنامج Insight of China في 2018. كما شارك في بينالي ميديتيرانيا 18 للفنانين الشباب في ألبانيا (2017). في عام 2016 حصل على جائزة إسماعيل شموط للفنون الجميلة وجائزة التعليم العالي عام 2007.
محمد الجولاني هو فنان مستقل كان يدرس ماجستير في الفن المعاصر. استكشف فكرة عزلة الدول والمدن والأفراد، كما لو كانت دوائر يتم رسمها. بالنسبة للمشروع، سيبدع 3 أعمال: صورة ذاتية ؛ عمل يظهر انعكاسه على المرآة وهو يرسم الصورة الذاتية ؛ لوحة له يرسم نفسه، تنعكس على المرآة. من خلال الحوار بين أعماله، يدفعنا إلى فكرة التكرار والعزلة.